تشهد المملكة العربية السعودية العديد من التغيرات السريـعة والجوهرية، ومن أهمها التقدم العلمي، والـتطور التكنولوجي في كـافة المجالات التجارية، والصناعية، فحققت المملكة في السنوات الأخيرة نجاحاً كبيراً في قطاع تقنية المعلومات واستخدام التكنولوجيا الحديثة في مختلف المجالات، فأصبحت من المتقدمين في ميدان التقنية، وقــد حـرصت المملكة على تبني مفهوم التحول الرقمي الشامل لجميع القطاعات، فأصبح المجتمع السعودي لا يستغني عن استعمال وسائل الاتصال الحديثة، فتعد ركناً أساسياً في كافة معاملات الأشخاص سواء الافراد، أو الشركات، أو المؤسسات مثل المعاملات المادية، أو العملية أو العلـمية، حيث أن اصبح أي تبادل، أو تراسل، أو تعاقد، أو أي اجراء آخر يبرم، أو ينفذ بشكل جزئي أو كلي بوسيلة إلكترونية، ومن هـنا كان لابد من حماية اطراف تلك المعاملات التي تتم بشكل إلكتروني.

فالتعاملات الورقية يوجد لها العديد من طرق الإثبات التي تضمن الحقوق التي شملتها وتُلزم بعمل كافة الالتزامات المتفق عليها، أما التعاملات الرقمية اهتم بها المنظم السعودي حتى نظّم لها طريقة إثبات جديدة شملها نظام الإثبات السعودي الجديد، وهو الدليل الرقمي، وفي ظل هذا الواقع الافتراضي انتقل الدليل الرقمي من كونه حـاجة إلى ضرورة لاستقرار المعاملات. ولأهميـة هذا الأمر اعترفت الكثير من الأنظمة بالأدلة الرقمية من محررات، وتواقيع، وسجلات، ومراسلات، وغيرها من الوسائل الالكترونية.

وقد كان دور الدليل الرقمي قرينة يستأنس بها ولم يصل إلى مرتبة الدليل التقليدي التي كانت محصورة في نظام المرافعات الشرعية، وبعد صدور نظام التعاملات الالكترونية ترقى الدليل الرقمي من كونه قرينة عادية إلى قرينة يعتد بها وقوية قد تصل إلى حجية الدليل التقليدي وفق اشتراطات يضعها النظام، وقد نصت الهيئة العامة للمحكمة العليا أن الدليل الرقمي حجة معتبرة في الاثبات متى سلم من العوارض، ويختلف قوة وضعفاً حسب الواقعة وملابساتها وما يحتف بها من قـرائن. صدر نظام الاثبات السعودي الذي نص بشكل صريح على اعتبار الدليل الرقمي بمثابة الدليل التقليدي وفقاً لنص المـادة الخامسة والخمسون ” يكون للإثبات بالدليل الرقمي حكم الإثبات بالكتابة الوارد في هذا النظام”، ويدل هذا النص على المساواة بينهم حتى في الاشتراطات وبهذا انتقل الدليل الرقمي من قرينة إلى كونه قد يُصبح حجّة بتطبيق الاشتراطات النظامية إلى دليل مستقلاً بذاته ويمتلك ذات الحجية التي يتمتع بها الدليل التقليدي.

تم تعريف الدليل الرقمي في نظام الإثبات السعودي في المادة الثالثة والخمسـون بأنه: كل دليل مستمد من بيانات تم التعامل بها من خلال وسيلة رقمية؛ حيث تكون هذه البيانات قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يمكن فهمها، كما قد وضح النظام صور الدليل الرقمي التي يمكن الاعتماد عليها وفق المادة الرابعة والخمسـون السجل الرقمي وهي (المحرر الرقمي، التوقيع الرقمي، المراسلات الرقمية، وسائل الاتصال، الوسائط الرقمية)، أو أي دليل رقمي آخر يمكن الاستناد له في الإثبات.

وقد قسّم نظام الاثبات الدليل الرقمي إلى نوعين وفقًا المادة السـادسة والخمسون من نظام الإثبات؛ أولهما الدليل الرقمي الرسمي وهو دليل يصدر من أنظمة رقمية لجهات حكومية، أو مكلفة بخدمة عامة وله نفس حجية المحرر الرسمي العـادي، أما النوع الثاني فهو الدليل الرقمي غير الرسمي وهو غير صادر من أي جهة حكومية، بل صادر من تعاملات أو تعاقدات بين الأشخاص، ويكون له حجية على أطراف التعامل اذا كان صادراً وفق نظام التعاملات الالكترونية أو التجـارة الالكترونية، أو مستفاداً من وسيلة رقمية منصوص علـيها في العقد محـل النزاع، أو مستفاداً من وسيلة رقمية مشاعة للعموم أو موثوقة.

كما تجدر الإشارة لما نصت عليه المادة الثالثة والستون من نظام الإثبات السعودي؛ حيث يكون للمستخرجات من الدليل الرقمي الحجية المقررة للدليل نفسه وذلك بالقدر الذي تكون فيه المستخرجات مطابقة لسجلها الرقمي، وكذلك المستخرجات من وسائل الدفع الرقمية تكون لها أيضاً الحجية.

يكون للمحكمة سلطة تقديرية بموجب المادة الثـانية والستون من نظام الإثبات لتقدير حجية الدليل الرقمي المقدم لها وفق ما يظهر لها من ظروف الدعوى حال تعذر لسبب خارج عن إرادة الخصوم التحقق من صحة الدليل كما يحق للمحكمة طلب تقديم محتوى الدليل الرقمي مكتوبـاً إذا كانت طبيعته تسمح بـذلك، مع عدم وجود ما يمنع من تقديم الدليل الرقمي بصورته الأصلية، أو بأي وسيلة رقمية أخرى وفقــاً لما نصت علـيه المادة الستون من نظام الإثبات السعودي كما أنه في حالة امتناع أحد الخصوم عن تقديم ما تطلبه المحكمة للتحقق من صحة الدليل الرقمي دون وجود عذر مقبول يسقط حق الممتنع عن التمسك بالدليل الرقمي، أو يكون الدليل الرقمي في هذه الحالة حجة على الممتنع.

ولقد بيّنت بعض الأنظمة الأخرى في المملكة على حجية الدليل الرقمي حيث نص نظام المعاملات الالكترونية في صلب المـادة الخـامسة على أنه: يكون للتعاملات، والسجلات، والتوقيعات الالكترونية حجيتها الملزمة ولا يجوز نفي صحـتها، أو قابليتها للتنفيذ ولا منع تنفيذها بسبب أنها تمت كلياً أو جزئياً بشكل إلكتروني، وكذلك نص المادة التاسعة من نظام التعاملات الإلكترونية حيث يقبل التعامل الإلكتروني، أو التوقيع الإلكتروني دليلاً في الإثبات إذا استوفى سجله الإلكتروني المتطلبات النظامية اللازمة؛ حيث يعد السجل الإلكتروني أصلاً بذاته عندما تستخدم وسائل وشروط فنية تؤكد سلامة المعلومات الواردة فيه من الوقت الذي أنشئ فيه بشكله النهائي على أنه سجل إلكتروني، وتسمح بعرض المعلومات المطلوب تقديمها متى طلب ذلك.

ولأهمية الإثبات التي لا يمـكن أن تخفى عن أحد تعددت الوسـائل القـانونية التي تمكّن للمدعي إثبات حقه بها، ومنها الوسائل الرقمية المستحدثة، والمنتشرة في مختلف المجـالات.